هَكَذَا تَعَلَّمْنَــا ..

بســم الله الـرحمــن الرحيــم

هكذا تمضي أيامنا!
ونجد أنفسنا وقد وصلنا لخريف العمر..
نقف على أخيلة ماضينا المنصرم.. نعانق ذكرياتنا
فتلك خطّت بقلم الألم عبرةً لنا وتذكرة!
وتلك أهدتنا قوافل السعادة حينًا من الزمن
وأخرى جمعتنا بوجوه طيبة لها في القلب نصيب

غير أن أكثرها رسوخًا في الذاكرة تلك التي علمتنا، وغيرت مجرى حياتنا..
وصنعت حاضرًا أزهر بنا وامتد بخيره حيث نرجو الله أن يجعله عملًا متقبلًا
ونذكرُ أولي الفضل علينا فتتلو قلوبنا تراتيل شكر ودعاء
ويشتد بنا الحنين.. والله نسأل أن تكون جنته اللقاء

في أحد مجالس العلم التي اكتظت بحاضريها والذين أمضوا معًا حينًا من الزمن كان كفيلًا أن يعرف أحدهم الآخر ويترقب قدومه خشية أن يفوته ما سيُلقى من درر في ذلك المجلس.
يحضر العالم وحلة الوقار تكسو قدومه، وهيبة رزقه الله إياها تسري معه أينما حلّ.
أحد الطلبة كان قادمًا جديدًا، غضًّا في ذلك المجلس وحيدًا، يصغي السمع ولا يلتفت، ويدوّن كل حرف يصل مسامعه.
بين فينة وأخرى يحدثُ ضجيج بين الطلبة، وتفوته بعض كلماتٍ تُحدثُ في تركيزه خللًا يسيرًا، لا يلتفت له أيضًا، ويجمع ما استشكل عليه لآخر الحلقة.

ينتهي الدرس ويقف الشيخ منتظرًا تلك الاستفسارات، يحاول ذلك الطالب جاهدًا إيصال ما لديه..
ضجيجٌ أكبر يُحدثه الطلبة حينها وكلٌ يود طرح سؤاله
أحيانًا يكون سؤالًا -غبيًا- لا يحتاج شرحًا -في نظر ذلك الطالب- ومع ذلك يرى مُقدّمه يمضي بخطى ثابتة، ويلقي ما لديه بثقة أمام الجميع .. أهي المعرفة المسبقة مَن تجعله مسموع الكلم!!
ربما..!
الأهم الآن هو تلك الثغرات البسيطة التي سدّت عليه مدارك الفهم، ولعله يزول الإبهام [تضطرب الأفكار في داخله]

هناك فرصة ليبث ما لديه
. يحجم خوفًا وخشية، وينتهزها غيره
فرصة أخرى .. يُلقي ما لديه على ترقب شديد
لكن صوته لم يصل!!، ووصل صوتٌ آخر أشد قوةً، وأُجيب ذلك الصوت.
طرح سؤاله مجددًا وارتباك أشد يعتريه، وتكرر ما حدث فلم يصل صوته للشيخ.
فرصة أخيرة.. ووصل صوته أخيرًا
أجيب ولكن.. لم يفهم واستفسر مجددًا لكن الوقت فات ومضى الشيخ بعد أن اختتم المجلس.

موقف جعل ذلك الصوت المرتجف يصرخ بقوة ولكن في داخله
كيف لا تسمعني.. أجبني!
وبعد أن حمل ما تعلّم وفوقه إحباط شديد ومرارة أشد مضى عازمًا ألا يعود
كتب رسالة لوم وعتاب، تركها حيث تصل للشيخ.. واختفى

تمر الأيام..
ويجمعه مجلس علم لشيخ آخر بشيخه الذي ألقى له ورقة عتاب ومضى
خوف شديد تملّكه.. وبعثرة في داخله
سمع صوت معلمه مجددًا فاشتد به الشوق لمجالسه
تذكّر تلك الورقة.. ورثى خيبته !
قد أخطأ والآن أدرك ذلك
خط على استعجال أحرفًا معتذرة وأرسلها لشيخه غير أنه لم يمضِ وانتظر

عتاب الشيخ كان مُعَلِّمًا ومُؤدِّبًا .. يمسح على قلب ذاك المضطرب هناك برفق
وُلِد أمل جديد في داخله.. الآن أدرك لمَ كان يضطرب بشدة كلما عزم أن يسأل
وأدرك أن العلم لا يناله مستحٍ ولا متكبر
وتعلم أدب الطالب مع أستاذه، وفقه آداب تلقي العلم.

سنواتٌ أخرى تمضي.. وتفرق الأيام بينه وبين شيخه ومربيه
غير أن في داخله شيءٌ من أثره
علمُه الذي كاد أن يُحرمَ منه بسوء خُلُق

هاهو الآن يجلس مجالس العلم
يكسوه الوقار وهيبة تسري معه أينما حلّ
فسبحان مَن رزقه علمًا طيبًا وبارك له به.. نِعم الطالب والشيخ المُربِّي.

نسأل الله تعالى ألا يحرمنا بذنوبنا ويعلّمنا ما ينفعنا وينفعنا بما علمنا ويزيدنا علمًا

هذا المنشور نشر في قــــطــــــراتـــ. حفظ الرابط الثابت.

أضف تعليق